لا أحد في بلدنا ضد الحوار، ولا أحد ضد مشاركة مواطني بلدنا بالحوار وإبداء الرأي في قضايا الوطن، في إطار حرية الرأي وحق التعبير، وهو إطار يحتاج إلى تحديد مفاهيمه وسقوفه وأدواته، لأن جزءاً كبيراً وكبيراً جداً مما يقال ويكتب في بلدنا لا يمكن أن نسميه حواراً، لأنه يفتقر إلى أدب الحوار أولاً، وشروطه ثانياً، ولأنه ينطلق ابتداء من خانة التخوين والاتهام وتلطيخ السمعة والاغتيال المعنوي للسلطات الدستورية وللمؤسسات العامة وشاغليها، وكأن كل من يتولى المسؤولية في بلدنا فاسد، وغير وطني، حتى صار الكثيرون يحجمون عن تولي ا?مناصب العامة فراراً بسمعتهم وسمعة أسرهم، وفي هذا ظلم كبير لبلدنا وضرر لمسيرة مجتمعنا، ونشر لاجواء الإحباط والتشاؤم والسوداوية، دون أن ندري من أعطى هذا أو ذاك حق تصنيف الناس وتوصيفهم، خاصة عندما تكون هذه الممارسة بلا أسس ولا أدلة.
لقد شجع على استشراء هذه الحالة في بلدنا اختلاط المفاهيم، فصار كثيرون يخلطون بين حرية الرأي والتعبير وبين الشتم والتطاول الذي طال كل المؤسسات والكثرة الكاثرة من المسؤولين بل وغالبية الناس، ساعد على ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانفلاتها من عقالها، فأخرجت أسوأ ما فينا، وصار الكثير مما ينشر من خلالها يطفح بالحقد والحسد، والأخطر من ذلك أنها خلطت الحابل بالنابل عندما صار الجاهل يناقش أهل الاختصاص، فلا تثار قضية إلا ويتبارى الجميع في إصدار الفتاوى حولها وطرح الحلول لها عن علم وعن غير علم، فيأتي معظم ما يطر? غثاً لكنه يطغى على السمين فتضيع الحقيقة، ومعها نضيع جميعاً..
في ظل كل هذه الفوضى التي يسميها البعض مشاركة وحرية رأي، صار هناك من يعتبر السفاهة حرية رأي!، فغصت وسائل التواصل بالشتائم، حتى لم يعد البعض يتورع عن التشفي بالموت، مما صار لا بد معه من أن نطلق معركة الوعي وأول ذلك الاتفاق على تحديد معاني المفاهيم والمصطلحات، ومنها مفهوم الحوار حتى نتعلم ماهو ادب الحوار.